فصل: ومن باب الرجل يسافر وحده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الجلب على الخيل في السباق:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن حميد الطويل عن الحسن عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا جلب ولا جنب».
قلت: هذا يفسر على أن الفرس لا يجلب عليه في السباق ولا يزجر الزجر الذي يزيد معه في شأوه وإنما يجب أن يركضا فرسيهما بتحريك اللجام وتعريكهما العنان والاستحثاث بالسوط والمهماز وما في معناهما من غير إجلاب بالصوت، وقد قيل إن معناه أن يجمع قوم فيصطفوا وقوفا من الجانبين ويجلبوا فنهوا عن ذلك. وأما الجنب فيقال أنهم كانوا يجنبون الفرس حتى إذا قاربوا الأمد تحولوا عن المركوب الذي قد كده الركوب إلى الفرس الذي لم يركب فنهي عن ذلك.

.ومن باب في السيف يحلى:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير بن حازم حدثنا قتادة عن أنس قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة».
قبيعة السيف هي التَومة التي فوق المقبض ويستدل به على جواز تحلية اللجام باليسير من الفضة وسقوط الزكاة عنه على مذهب من يسقط الزكاة عن الحلي. وقد قيل إنه لا يجوز ذلك لأنه من زينة الدابة، وإنما جاز ذلك في السيف لأنه من زينة الرجل وآلته فيقاس عليه المنطقة ونحوها من أداة الفارس دون أداة الفرس.

.ومن باب النهي عن السيف يتعاطى مسلولًا:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا قريش بن أنس حدثنا أشعث عن الحسن عن سمرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقد السير بين إصبعين».
قلت: إنما نهى عن ذلك لئلا يعقر يده الحديد الذي يُقد السير به وهو شبيه بمعنى نهيه عن تعاطي السيف مسلولًا.

.ومن باب الرجل ينادى بالشعار:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان، عَن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أبَيَّتم فيلكن شعاركم حّم لا ينصرون».
قلت: بلغني عن ابن كيسان النحوي أنه سأل أبا لعباس أحمد بن يحيى عنه فقال معناه الخبر ولو كان بمعنى الدعاء لكان مجزومًا أي لا ينصروا، وإنما هو إخبار كأنه قال والله لا ينصرون. وقد روي عن ابن عباس أنه قال حّم اسم من أسماء الله عز وجل فكأنه حلف بالله أنهم لا ينصرون.

.ومن باب ما يقول الرجل إذا سافر:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا محمد بن عجلان حدثني سعيد المقبري، عَن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال. اللهم اطو لنا الأرض وهون علينا السفر».
قوله: «وعثاء السفر» معناه المشقة والشدة وأصله من الوعث وهو أرض فيها رمل تسوخ فيها الأرجل. ومعنى كآبة المنقلب أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبًا حزينًا غير مقضي الحاجة أو منكوبًا ذهب ماله أو أصابته آفة في سفره أو أن يرد على أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم وما أشبه ذلك من المكروه.

.ومن باب الدعاء عند الوداع:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن عبد العزيز بن عمر عن إسماعيل بن جرير عن قزعة قال: «قال لي ابن عمر هلم أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك».
قلت: الأمانة هاهنا أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله ومن في معناهما وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر وقد تصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سببا لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق.

.ومن باب ما يقول إذا نزل المنزل:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثني صفوان حدثني شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن عبد الله بن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل قال يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك ومن شر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك وأعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد».
قوله: «ساكن البلد» يريد به الجن الذين هم سكان الأرض. والبلد من الأرض ما كان مأوى للحيوان وإن لم يكن فيه بناء ومنازل ويحتمل أن يكون أراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين.

.ومن باب كراهية سير أول الليل:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عبد الله بن مسلم يعرف بابن أبي شعيب الحراني حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ترسلوا فواشيكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشياطين تعيث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء».
قال أبو داود: الفواشي ما يفشو من كل شيء.
قلت: الفواشي جمع الفاشية وهي ما يرسل من الدواب في الرعي ونحوه فينتشر ويفشو. وفحمة العشاء إقبال ظلمته شبه سواده بالفجر.

.ومن باب الرجل يسافر وحده:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب».
قلت: معناه والله أعلم أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان أو هو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه فقيل على هذا إن فاعله شيطان، ويقال إن اسم الشيطان مشتق من الشطون وهو البعد والنزوح، يقال بئر شطون إذا كانت بعيدة المهوى فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن الممعن في الأرض وحده مضاه للشيطان في فعله وتشبه اسمه وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب أي جماعة وصحب، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال في رجل سافر وحده أرأيتم إن مات من اسأل عنه.
قلت: المنفرد وحده في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله ويرد خبره عليهم ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ منها.

.ومن باب القوم يسافرون يؤمر أحدهم:

قال أبو داود: حدثنا علي بن بحر بن بري حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا محمد بن عجلان عن نافع، عَن أبي سلمة، عَن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم».
قلت: إنما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعا ولا يتفرق بهم الرأي ولا يقع بينهم خلاف فيعنتوا. وفيه دليل على أن الرجلين إذا حكما رجلا بينهما في قضية فقضى بالحق فقد نفذ حكمه.

.ومن باب دعاء المشركين:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرًا. وقال إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم. ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونوا مثل أعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي كان يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلاّ أن يجاهدوا في المسلمين فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم فإنكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم بعد ما شئتم».
قلت: في هذا الحديث عدة أحكام منها دعاء المشركين قبل القتال، وظاهر الحديث يدل على أن لا يقاتلوا إلاّ بعد الدعاء.
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك بن أنس لا يقاتلون حتى يدعوا أو يؤذَنوا.
وقال الحسن البصري يجوز أن يقاتلوا قبل أن يدعوا قد بلغتهم الدعوة. وكذلك قال الثوري وأصحاب الرأي، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. واحتج الشافعي في ذلك بقتل ابن الحقيق.
فأما من لم تبلغه الدعوة ممن بعدت داره ونأى محله فإنه لا يقاتل حتى يدعى فإن قتل منهم أحد قبل الدعوة وجبت فيه الكفارة والدية وفي وجوب الدية اختلاف بين أهل العلم.
وأما قوله: «فأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين» فإن المهاجرين كانوا أقوامًا من قبائل مختلفة تركوا أوطانهم وهجروها في الله واختاروا المدينة دارًا ووطنًا ولم يكن لهم أو لأكثرهم بها زرع ولا ضرع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليهم مما أفاء الله عليه أيام حياته ولم يكن للأعراب وسكان البدو في ذلك حظ إلاّ من قاتل منهم فإن شهد الوقعة أخذ سهمه وانصرف إلى أهله فكان فيهم.
وقوله: «وعليهم ما على المهاجرين» أي من الجهاد والنفير أي وقت دعوا إليه لا يتخلفون. والأعراب من أجاب منهم وقاتل أخذ سهمه ومن لم يخرج في البعث فلا شيء له من الفيء ولا عتب عليه ما دام في أهل الجهاد كفاية.
وقوله: «إن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية» فظاهره يوجب قبول الجزية من كل مشرك كتابي أو غير كتابي من عبدة الشمس والنيران والأوثان إذا أذعنوا لها وأعطوها، وإلى هذا ذهب الأوزاعي. ومذهب مالك قريب منه. وحكي عنه أنه قال تقبل من كل مشرك إلاّ المرتد، وقال الشافعي لا تقبل الجزية إلاّ من أهل الكتاب وسواء كانوا عربًا أو عجما وتقبل من المجوس ولا تقبل من مشرك غيرهم.
وقال أبو حنيفة تقبل من كل مشرك من العجم ولا تقبل من مشركي العرب.
قلت: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حارب أعجميا قط ولا بعث إليهم جيشا، وإنما كانت عامة حروبه مع العرب، وكذلك بعوثه وسراياه فلا يجوز أن يصرف هذا الخطاب عن العرب إلى غيرهم.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم وعبيد الله بن موسى عن حسن بن صالح عن خالد بن الفِزْر حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيًا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».
قلت: نهيه عن قتل النساء والصبيان يتأول على وجهين: أحدهما أن يكون ذلك بعد الأسار نهى عن قتلهم لأنهم غنيمة للمسلمين. والوجه الآخر أن يكون ذلك عامًا قبل الأسار، وبعده نهى أن يقصدوا بالقتل وهم متميزون عن المقاتلة فأما وهم مختلطون بهم لا يوصل إليهم إلاّ بقتلهم فإنهم لا يحاشون. والمرأة إنما لا تقتل إذا لم تكن تقاتل فإن قاتلت قتلت وعلى هذا مذهب أكثر الفقهاء.
وقال الشافعي الصبي الذي يقاتل يجوز قتله وكذلك قال الأوزاعي وأحمد.
واختلفوا في الرهبان فقال مالك وأهل الرأي لا يجوز قتلهم.
وقال الشافعي يقتلون إلاّ أن يسلموا ويؤدوا الجزية.
قال أصحاب الرأي: لا يقتل شيخ ولا زمن ولا أعمى.
وقال الشافعي: هؤلاء كلهم يقتلون.

.ومن باب الحرق في بلاد العدو:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فأنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينة} [الحشر: 5] الآية».
واختلف العلماء في تأويل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال بعضهم إنما أمر بقطع النخيل لأنه كان مقابل القوم فأمر بقطعها ليتسع المكان له، وكره هذا القائل قطع الشجر واحتج بنهي أبي بكر عن ذلك، وإلى هذا المعنى ذهب الأوزاعي، وقال الأوزاعي لا بأس بقطع الشجر وتحريقها في بلاد المشركين وبهدم دورهم وكذلك قال مالك. وقال أصحاب الرأي لا بأس به وكذاك قال إسحاق.
وكره أحمد تخريب العامر إلاّ من حاجة إلى ذلك.
قال الشافعي: ولعل أبا بكر إنما أمرهم أن يكفوا عن أن يقطعوا شجرًا مثمرًا لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن بلاد الشام يفتح على المسلمين فأراد بقاءها عليهم.

.ومن باب ابن السبيل يأكل من الثمرة ويشرب من اللبن إذا مر به:

قال أبو داود: حدثنا عياش بن الوليد الرقام حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتي أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحلب وليشرب، وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحلب وليشرب ولا يحمل».
قلت: هذا في المضطر الذي لا يجد طعامًا وهو يخاف على نفسه التلف فإذا كان كذلك جاز له أن يفعل هذا الصنيع.
وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن هذا شيء قد ملكه النبي صلى الله عليه وسلم إياه فهو له مباح لا يلزمه له قيمة.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أن قيمته لازمة له يؤديها إليه إذا قدر عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه.
قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة، عَن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل قال: «أصابتني سنة فدخلت حائطا من حيطان المدينة ففركت سنبلًا فأكلت وحملت في ثوبي فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما علّمت إذ كان جاهلًا ولا أطعمت إذ كان جائعًا أو قال ساغبا وأمره فرد عليّ ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام».
السنة المجاعة تصيب الناس والساغب الجائع؛ وفيه أنه صلى الله عليه وسلم عذره بالجهل حين حمل الطعام فلام صاحب الحائط إن لم يطعمه إذ كان جائعًا.